ولد ابراهيم حمام والشعر يتقطر منه قطرة قطرة. و"بحور الشعر" تسبح داخل اوردته، مخلفة "قصيدة" طويلة لا زالت مستمرة الى الان. "قصيدة" عمرها حوالي 83 عاما ومكتوبة بأجمل الاحرف والكلمات.
عندما خرج ابراهيم حمام الى عالم النور، لم تكن "الحداثة" و"ما بعد الحداثة" سيدتا العقول والارواح. كانت القصائد تكتب من داخل الروح لتنسكب مطرا على ورق غير مصقول. وكان ابراهيم حينذاك ينظر الى الدنيا نظرة طفل يحمل تساؤلات ولكن من دون اجوبة. فكان يروم الى فهم الكون، وما بعد الكون. والى فهم المرأة وسرها الذي لا يعرف الانطفاء. والاهم فهم نفسه من دون تعقيدات وتفلسف.
ظلمته الحياة مرتين: عندما علمه والده كيفية البناء، وعندما تجاهلته الحياة في مسيرته الشعرية. فالحلم الذي نبت مع ابراهيم حمام وهو بعمر العشر سنوات، لم يعمر طويلا. كانت قصائده المكتوبة بالفصحى، سبيله الى ترجمة احاسيسه الطفولية. فهو تتلمذ على يد والده بعمر ال 5 سنوات وبعدها مكث سنة لدى الاستاذ احمد خليفة. الا ان عالم والده حيث كان يتعاطى الاشياء الروحانية وتلاوة السيرة الحسينية، زادته تبصرا وابصارا في كيفية نظم الشعر. ولكن الاهم في حياته ان الالهام كان ملتصقا بروحه. يسير معه اينما سار. وكان مدركا جيدا له. ولم يكن يحتاج مثل شعراء الحداثة الى قنديل او شط بحر او حتى شمعة ليكتب قصيدة موزونة. كانت التفعيلات في دمه تجري، كجريان الحب في نظرات العشاق.
الفقر جعل والد ابراهيم حمام ينزل عند نصيحة احد الادباء الكبار من بلدة جبشيت، الشيخ علي الزين، ويعلم ابنه نقش الحجر. فالحياة لم تكن كريمة في ذلك الوقت. حتى ان التلميذ تفوق على معلميه "العمارين" وابدع في البناء بموازاة ابداعاته في الادب.
لم يقف تعلمه لمدة سنة، امام حلمه بأن يصبح شيئا محسوسا في الحياة. شيء يستمع اليه الاخرون ويشعرون بالسعادة عندما ينطق. وفعلا كان التحدي امامه عندما طلب منه في احد الايام الاديب محمد علي قاسم ان ينظم له قصيدة تشبه قصيدة قراها عن شابة تدعى مي (ربما الاديبة مي زيادة). وفعلا غاب ابراهيم حمام عنه قليلا وخطت يداه قصيدة بذات الوزن ادهشت الاديب لدرجة دعاه لان يتلوها كلما صعد الى المنبر. ولا زال ابراهيم حمام محتفظا بتلك القصيدة. ومنذ ذلك الحين، أي منذ ان اصبح في عمر حوالي ال 17 عاما، صار ابراهيم حمام شاعرا.
الشاعر الكبير ابراهيم حمام لم تختلف نظرة الناس اليه انه شاعر كبير. ولم تتغير مع السنوات. واي شخص عايش السنوات التي كانت فيها خطيبا للمنبر، يقول ان احدا لم يكن يقدر على منازلته. كما لم ينازله احد في البناء الصخري. فهو كان ضنينا بعمله. يصقله كلما زادته السنين خبرة.
قدم ابراهيم حمام الى الدوير بعمر ال 17 عاما (1944-1945) بناء لرغبة من سلمان موسى حطيط. بهدف بناء داره. وبعدها استقر فيها كون شقيقه لم يكن يحبذ التشتت في العمل ما بين جبشيت والدوير. فإستقرا هنا في منزل المحروم محسن جوني، وجلبا اختهما معهما من اجل اعاناتهما بالامور المنزلية. ذاع صيتهما في البلدة وخاصة ابراهيم، واصبح يطلب لبناء البيوت الصخرية. فنسبة كبيرة من البيوت عمرت بعرق يدا ابراهيم حمام وجهده ومثابرته واخلاصه لعمله.
كان متر البناء الصخري ب 3/4/5 ليرات. وكان ابراهيم حمام يجلب حجارته من مزرعة الداودية (حد المروانية) واحيانا من ميفدون. وكان حجر الداودية اغلى وشراؤه يعود الى صاحب المنزل. ولم يكن العمل يبعده عن المشاركة في المناسبات الاليمة او السعيدة. حتى انه وفي ذروة عمله وعندما كان يستدعى من أي كان لالقاء قصيدة او للمشاركة في حداء (القاء رديات) خلال مسيرة الدفن او في الثالث او السابع، كان يترك عمله ويشارك بكل طيبة خاطر حيث كان صوته حاضرا ومحفزا.
قبل ان يتم بناء الحسينية، كان الشاعر ابراهيم حمام يلقي بقصائده على قبور الموتى. كان سيد المناسبات. سيد المنبر. سيد (الرادوديات). سيد الزجل. الزجل الذي تركه من اجله الفصحى، ولحقه الى ما قبل 15 سنة، عندما دعاه احد الاصدقاء الى العودة الى الكتابة بالفصحى. استصعب الامر بداية، فلقد نسي الوزن والقافية وكيفية كتابة الشعر، الا انه قبل التحدي وابدع ايما ابداع. انجب خلال هذه الفترة 8 كتب موزونة. وكانت المفاجأة انه بعد السبعين ابدع اكثر مما ابدع طوال سني عمره.
الموت كانت له قيمة. وكان الناس حراس ذكريات الموتى. وكانت الدوير تحزن لموتاها وتفرح لناسها. هذا لسان حال الشاعر ابراهيم حمام. الدوير اليوم اختلفت كثيرا. لم تعد تأبه لمن ولد فيها فكيف بمن هاجر اليها ليسكنها. ابراهيم حمام الذي بادل الدوير الحب، لم تبادله اياه. ظل يعاني وما زال من تمييز عائلي تجاهه. كل فئة تحسبه على الفئة الاخرى. وكل جهة تريده لنفسها. ولان الدوير عاقة بحقه، كما هي عاقة بأبنائها المبدعين، فإنها لن تهرع الى تكريم هذا الشاعر الكبير الذي يملك مخزونا رهيبا من القصائد التي تواكب جميع سني حياته.
خرجنا من منزله (بير زبيب) وفي قلوبنا غصة. فهذا مبدع آخر (بعد الاستاذ خليل سلامة)، لا تنظر الدوير اليه. وليست الدوير وحدها، بل الجهات الثقافية التي تعنى بالمبدعين الجنوبيين. فرغم انه يشارك في الندوات الادبية، الا ان مكان هذا الرجل هو غير الوقوف على منصة امام حضور قليل والقاء قصائد ستتساوى حتما مع قصائد (ما بعد الحداثة) ليكرما سوية كأنهما من نسل واحد.
الشاعر الكبير ابراهيم حمام، لا بد من ان نعتذر منك. فها انت في ال83 تجلس في غرفتك الملئة بالكتب والتقاويم (طبارة والفاخوري) والذكريات المحفوظة. تكتب وتكتب وتكتب. ولكن ليس هناك من جهة سوف ترى ما تكتبه. فالمبدع الجنوبي يخلق والظلم مظلته. وانت من المظلومين الذين على احد ما ان يكفر عن خطأه تجاهك.
ايها الشاعر الذي يتبعه الغاوون. لقد تبعناك الى حيث الحب يُذهب العقل. والى حيث العمر، يظل فتيا عندما تقف امرأة تملك فتنة الذهب. فقصائد حبك، شهادة على ان السنوات لم تجعل من شرايين هذا القلب مضخة صدئة كما حال بعض البشر.
الشاعر ابراهيم حمام
الولادة: 28/1928 - جبشيت
والدته: زينب عباس - عيترون
زوجته: عفيفة رمال.
الاخوة والاخوات: شاب و(4) بنات
اولاده: (3) شباب و(7) بنات
الحج والعمرة: 1994
الاصدقاء: خليل ايوب، محمد الحاج جعفر طفيلي
ابيات بصوت الشاعر ابراهيم حمام
http://www.youtube.com/watch?v=v9kqNp518L4
لمشاهدة وقراءة افضل انقر على هذا اللينكhttp://doueirwelcome.blogspot.com/2011/05/blog-post_24.html